حياة تتجاوز اعمل ما تحب - Wonder Essays

غالبا ما يأتي الطلاب إلى مكتبي بغرض الاستشارة، فيفركون أيديهم ويعقدون حواجبهم طالبين مني أن أسير معهم وهم يفكرون في الحياة بعد التخرج.

حياة تتجاوز ”اعمل ما تحب“
Sticky Note
كتابة: غوردن مارينو[1] ترجمة: مشاري المشاري
17 مايو 2014

غالبا ما يأتي الطلاب إلى مكتبي بغرض الاستشارة، فيفركون أيديهم ويعقدون حواجبهم طالبين مني أن أسير معهم وهم يفكرون في الحياة بعد التخرج. منذ بضعة أيام فقط، طلب أحد طلاب السنة الثانية موعداً لأنه كان قلقاً بشأن ما إذا كان يجب أن يصبح طبيباً أو أستاذاً للفلسفة. وبعد بضع دقائق، اعترف بشكل عصبي أنه كان يفكر أيضاً في تجربة الكوميديا الارتجالية.

باعتباري مستشاراً وظيفياً، دائماً ما يكون رد فعلي التلقائي: "ما هو أكثر شيء يثير شغفك؟" في بعض الأحيان كنت ألقي خطبة حول مدى أهمية التمييز بين ما نعتقد أنه من المفترض أن نحبه وما نحبه حقاً.

ولكن هل "اعمل ما تحب" حكمة أم كلام فارغ؟

في مقال[2] أثار الكثير من النقاش في مجلة جاكوبين في أوائل هذا العام، قالت الكاتبة ميا توكوميتسو إن روح "اعمل ما تحب" السائدة في ثقافتنا هي في الواقع نخبوية لأنها تحط من قدر العمل الذي لا يتم عن طريق الحب. كما أنها تتجاهل فكرة أن العمل في حد ذاته يحمل قيمة متأصلة، والأهم من ذلك أنها تقطع العلاقة التقليدية بين العمل والموهبة والواجب.

عندما أكون خارج الجامعة وأقدم المشورة بشكل غير رسمي للأولاد الذين يواجهون تحديات اقتصادية في نورثفيلد بولاية مينيسوتا، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 20 ألف نسمة، فإن الموضوع لا يدور حول "اعمل ما تحب". لقد اعتاد العديد منهم على توصيل الجرائد في الساعة الخامسة صباحاً، أو نقل الألواح الخشبية طوال النهار، أو تحميل الشاحنات طوال الليل. لقد اعتادوا على القيام بكل ما يحتاجون إليه لمساعدة أسرهم. بالنسبة لهم، فكرة القيام بما تحبه أو تجده ذا معنى ليست هي الفكرة التي تتبادر إلى ذهنهم أولاً؛ ولا ينبغي لها أن تكون كذلك. نضع رؤوسنا معاً ونفكر: "ما هو الشيء الذي تجيد عمله؟" أو "ما هي الوظيفة التي من شأنها تحسين ظروف أسرتك؟" ربما تحصل على رخصة عامل لحام أو كهربائي؟ أو ربما تلتحق بالجيش؟ وقد يدخل الشغف والمعنى في خضم محادثاتنا حيث يكون هناك إدراك أنهما يزيدان من تركيزك ويجعلانك أكثر نجاحاً.

والدي لم يعمل ما يحب. لقد عمل في وظيفة كان يكرهها من أجل أن يتمكن أبناؤه من دخول الكلية. هل كان مجرد شخص غير مستنير ومخطئاً عندما وضع مصلحة الآخرين فوق مصلحته الشخصية؟ قد يقال إن فكرته عن تحقيق الذات كانت تتمثل في الاعتناء بأسرته، ولكن أيضاً، مثل كثيرين آخرين أقل حظاً، كان يكره عمله ولكنه تحمّل ذلك وقام به بشكل جيد.

أعتقد أنه يمكن القول إن والدي حوّل الضرورة إلى فضيلة، أو أن تقديم أفضل رعاية ممكنة لأسرتك هو في الحقيقة شكل من أشكال خدمة الذات. لكن الخروج من ذاتك بما يكفي لوضع عواطفك جانباً لصالح دائرة أكبر، سواء كانت الأسرة أو المجتمع، لا يأتي للجميع بشكل طبيعي.

لا يسلك الجميع هذا الطريق. ربما تعرفون قصة الدكتور جون كيتشين، المعروف أيضاً باسم سلومو[3]، الذي ترك ممارسة الطب بسبب شغفه الحقيقي - التزلج على طول ممشى شاطئ المحيط الهادي في سان دييغو. ولكن هل من الأخلاقي أن يضع الطبيب سماعته جانباً ليربط حذاء التزلج؟

لقد تصدى مفكرون كبار مثل كانط لهذا السؤال. في سابق الأيام، قبل موت الإله، كان المؤمنون يعتقدون أن مواهبهم هي عطايا من السماء، وكان من واجبهم أن يستخدموها في خدمة الآخرين. في أطروحته عن الأخلاق "أسس ميتافيزيقا الأخلاق"، يتأمل كانط: لنفترض أن رجلاً "وجد في نفسه موهبة قد تجعله شخصاً مفيداً في كثير من النواحي. لكنه يجد نفسه في ظروف مريحة ويفضل الانغماس في المتعة بدلاً من تحمل عناء توسيع قدراته الطبيعية السعيدة." هل يجوز هذا؟

يقول كانط معترضاً، لا، لا يمكن لأحد أن يرغب في ترك مواهبه تصدأ من أجل المتعة ليكون هذا قانوناً عالمياً للطبيعة. ويضيف قائلاً: "ككائن عقلاني، هو يرغب بالضرورة في تطوير قدراته، لأنها تخدمه، ولأنه حصل عليها، لتحقيق جميع الغايات بمختلف أشكالها". بالنسبة لكانط، سيكون من غير المنطقي أن نرغب في عالَم يلتزم بقانون "اعمل ما تحب".

على عكس كانط، ربما لا تعتقد أن الكون مليء بالغايات. إذن هل "اعمل ما تحب" أو "اعمل ما تجده ذا معنى أكبر" هي الوصية الأولى والأخيرة (إشارة إلى الوصايا العشر)؟ ليس بالضرورة.

الإيمان بأن ما نحبه وما نكرهه أو إحساسنا بالمعنى وحده هو الذي يجب أن يقرر ما نعمله هو جزء لا يتجزأ من إنجيل تحقيق الذات. لقد كانت الفلسفة دائماً على حق في إرشادنا إلى أننا يمكن أن نكون مخطئين بشأن وجهات نظرنا حول السعادة كما هو الحال مع أي شيء آخر. وينطبق الشيء نفسه على فكرة تحقيق الذات المذكورة آنفاً. لنفترض أن تحقيق الذات الحقيقي يأتي في شكل التطور إلى "إنسان ناضج". وهذا بالطبع لا يعني أنه يجب علينا تجنب العمل الذي نحب القيام به لمجرد أننا نحب القيام به. سيكون ذلك عبثاً. بالنسبة للبعض، فإن الانسجام السعيد يوجد أو يتطور عندما نجد المتعة في استخدام مواهبنا بطريقة مسؤولة وموجهة نحو الآخرين.

النماذج المثالية للإنسانية المعترف بها عالمياً - أمثال نيلسون مانديلا، وديتريش بونهوفر[4]، ومارتن لوثر كينغ - لم ينظموا حياتهم حول تحقيق الذات وقوائم الأمنيات. لا شك أنهم وجدوا إحساساً بالمعنى في أعمالهم البطولية للتضحية بالنفس، لكنهم لم يعملوا ما كانوا يعملونه من أجل تحقيق هذا المعنى. بل - مثل والدي وبعض أولئك الأولاد من المدينة - عملوا ما شعروا أنه يتعين عليهم عمله.

يعلمنا الدكتور كينغ أن كل حياة تتميز بأبعاد الطول والعرض والارتفاع. فالطول يشير إلى حب الذات، والعرض إلى المجتمع ورعاية الآخرين، والارتفاع إلى المتعالي، إلى شيء أكبر من ذات الفرد. يتفق معظم الناس مع وصفة الدكتور كينغ بأن تحقيق الذات يتطلب القدرة على ربط نفسك بشيء أعلى من ذاتك. تقليدياً، كان ذلك الشيء "الأعلى" بمثابة رمز لله، ولكن أياً كان ذلك المتعالي، فإنه يتطلب الطاعة والرغبة في غمر رغباتنا وإعادة تشكيلها.

ربما تستمتع بسباق الماراثون. أو ربما تفكر في نظام التمرين الخاص بك باعتباره شكلاً من أشكال تحسين الذات. ولكن إذا كان ذلك "الشيء الأعلى" من وجهة نظرك هو، مثلاً، العدالة والمساواة، فقد تُلزمك هذه المُثُل بتخصيص بعض الساعات العديدة التي تقضيها ذهاباً وإياباً في المضمار لتدريس الأطفال في أحد مراكز الشباب. لا ينبغي لرغباتنا أن تكون الحكم النهائي على مسيرتنا المهنية. في بعض الأحيان يجب علينا أن نعمل ما نكرهه، أو ما نحتاج إلى عمله، ونعمله بأفضل ما نستطيع.

Likes
14
Views
570
[1] غوردن مارينو أستاذ الفلسفة في كلية سانت أولاف ومحرر كتاب ”كيركجور المقتبَس عنه“.
[2] نشرت مجلة جاكوبين هذا المقال تحت عنوان ”باسم الحب“ بتاريخ 12 يناير 2014.
[3] نشرت صحيفة النيويورك تايمز هذا الفيديو عن سلومو على قناتها في يوتيوب.
[4] ديتريش بونهوفر قس لوثري وعالم لاهوت ألماني مناهض للنازية ولد عام 1906 وأُعدم شنقاً في 1945 قبيل انهيار النظام النازي.
Source: A Life Beyond ‘Do What You Love’
By Gordon Marino