ليس للجاهل حق في الوصول إلى الجمهور - Wonder Essays

في 17 يونيو، أكدت المعلقة السياسية آن كولتر، التي ظهرت كضيفة على قناة فوكس نيوز، أن الأطفال المهاجرين الذين كانوا يبكون بسبب فصلهم عن والديهم هم ممثلون صغار.

ليس للجاهل حق في الوصول إلى الجمهور
audience
كتابة: براين فان نوردن[1] ترجمة: مشاري المشاري
25 يونيو 2018

في 17 يونيو، أكدت المعلقة السياسية آن كولتر، التي ظهرت كضيفة على قناة فوكس نيوز، أن الأطفال المهاجرين الذين كانوا يبكون بسبب فصلهم عن والديهم هم "ممثلون صغار". فهل يستحق هذا الادعاء الذي لا أساس له نفس القدر من البث الذي تستحقه، على سبيل المثال، مجادلة غنية بالمعلومات التاريخية مع تا ناهاسي كوتس[2] يقول فيها إن العنصرية البنيوية تجعل الحلم الأمريكي ممكناً؟

اشتكى جوردان بيترسون، أستاذ علم النفس بجامعة تورنتو، من أن الرجال لا يستطيعون "السيطرة على النساء المجنونات" لأن الرجال "ليس لديهم أي احترام على الإطلاق" لشخص لا يمكنهم قتاله جسدياً. فهل يستحق هذا الرأي المراهق الوصول إلى عدد كبير من الجمهور مثل الأفكار الدقيقة لكيت مان، أستاذة الفلسفة في جامعة كورنيل، حول دور "التعاطف الذكوري" في دعم كراهية النساء؟

قد نشعر باليقين من أن كولتر وبيترسون مخطئان، لكن بعض الناس يشعرون بنفس الشيء تجاه كوتس ومان. وقد كان الجميع في وقت ما يشعرون باليقين من أن الأرض هي مركز النظام الشمسي. حتى لو كان كولتر وبيترسون مخطئين، ألن يكون لدينا فهم أعمق للأسباب التي تجعل العنصرية والتمييز الجنسي خطأين إذا كان علينا أن نفكر بأنفسنا بشأن ما يدعيانه؟ و "من يمكنه أن يقول" إنه لا يوجد جزء صغير من الحقيقة في ما يقولانه؟

إذا بدا لك هذا الخط الفكري الخادع معقولاً إلى حدّ ما، فذلك بسبب تأثير كتاب "عن الحرية" الذي نشره الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل عام 1859. إن حجة ميل بشأن حرية التعبير شبه المطلقة بسيطة بشكل مغرٍ. فأي رأي يعبر عنه شخص ما هو إما صحيح كلياً، أو صحيح جزئياً، أو خاطئ.

الادعاء بأن الرأي غير الشعبي أو المسيء لا يمكن أن يكون صحيحاً يعني "افتراض أننا معصومون من الوقوع في الخطأ". إذا كان الرأي المسيء صحيحاً، فمن الواضح أن الحدّ من التعبير عنه سيكون أمراً سيئاً للمجتمع. وإذا كان الرأي صحيحاً جزئياً، فيجب الإصغاء إليه، لأنه "فقط من خلال تصادم الآراء المعاكسة، تتاح لبقية الحقيقة فرصة أن يتم الحصول عليها". وحتى لو كان الرأي خاطئاً، فإن المجتمع سيستفيد من دراسة أسباب كونه خاطئاً. وما لم تخضع وجهة النظر الصحيحة للتحدي، فإننا بكل بساطة سنتمسك بها "بشكل متحيز، مع قليل من الفهم أو الشعور بأسسها العقلانية".

المشكلة في حجة ميل هي أنه يعتبر المفهوم الساذج للعقلانية، الذي ورثه عن مفكري التنوير مثل رينيه ديكارت، أمراً مفروغاً منه. بالنسبة لمثل هؤلاء الفلاسفة، هناك منهج عقلاني لاتاريخي وحيد لاكتشاف الحقيقة، والبشر (المتعلمون جيداً) متساوون تقريباً في قدرتهم على تقييم هذه الحقائق. فنحن نعلم أن "الحس السليم هو أكثر شيء موزع توزيعاً عادلاً"، كما يؤكد ديكارت، لأنه "حتى أولئك الذين يصعب إرضاؤهم في كل النواحي الأخرى لا يرغبون أبداً في المزيد منه أكثر مما لديهم بالفعل".

بطبيعة الحال، هناك اختلاف أساسي بين ميل وديكارت حول ماهية ذلك المنهج العقلاني اللاتاريخي الوحيد، وهو أحد أسباب الشك في عقيدة التنوير التي تؤمن بوجود مثل ذلك المنهج.

إذا كنت تؤمن بمنهج عقلاني عالمي يقبله الجميع، فإن دفاع ميل عن حرية التعبير المطلقة هو دفاع سليم. ما الضير في أن يسمع الناس المغالطات الواضحة والحجج الخادعة إذا كانت لا تنطلي على أي إنسان عاقل حاصل على الحد الأدنى من التعليم؟ ولكن المشكلة هي أن البشر ليسوا عقلانيين بالطريقة التي يفترضها ميل. أتمنى لو كان واضحاً للجميع أنه يجب علينا ألا نمارس التمييز ضد الأشخاص على أساس ميولهم الجنسية، ولكن نائب رئيس الولايات المتحدة الحالي (مايك بنس) لا يوافق على ذلك. أتمنى أن يعلم الجميع أنه من غير العقلاني إنكار الأدلة التي تشير إلى وقوع حادث إطلاق نار جماعي في ساندي هوك، ولكن يمكن لمقدم برنامج حواري إذاعي مشترك أن يبني سمعته المهنية على الجدل المعاكس لهذا الاتجاه.

تاريخياً، كان لحجج ميل بعض التأثيرات العملية الجيدة. فقد حذا ميل حذو ألكسيس دي توكفيل في تعريف "طغيان الأغلبية" باعتباره خطراً دائماً في الديمقراطيات. كمدافع عن حقوق المرأة ومعارض للعبودية، أدرك ميل أن الكثير من الناس اعتبروا مجرد مناقشة هذه القضايا أمراً مسيئاً. كان يأمل أنه إذا استطاع أن يجعل حرية التعبير حقاً شبه مطلق، سيتمكن من ضمان فرصة الاستماع للآراء التي كانت صحيحة ولكنها لم تحظَ بشعبية بين معظم معاصريه.

ومع ذلك، فإن وضعنا مختلف تماماً عن وضع ميل. فنحن نشهد تفاقم النزعة التي حذر منها فيلسوف القرن العشرين الألماني الأمريكي هربرت ماركوز في عام 1965 عندما قال: "في المناقشات الطويلة التي لا تنتهي في وسائل الإعلام، يتم التعامل مع الرأي الغبي بنفس الاحترام الذي يحظى به الرأي الذكي، وقد يتكلم الجاهل بنفس القدر الذي يتكلم فيه المثقف، وتسير الدعاية جنباً إلى جنب مع الثقافة، والحقيقة مع الباطل". والمفارقة المثيرة للسخرية أن هذا الشكل من "حرية التعبير" يدعم طغيان الأغلبية.

تهتم وسائل الإعلام في المقام الأول بالوصول على أكبر عدد ممكن من الجمهور. وهذا يؤدي إلى تصور منحرف لما يستحق أن يبث من وجهات النظر المثيرة للجدل، وما الذي يمثله "كلا الجانبين" في قضية ما. كم مرة رأينا على شاشة التلفزيون أشخاصاُ مثيرين للجدل ولكن مفكرين على درجة كبيرة من الاطلاع مثل نعوم تشومسكي ومارثا نوسباوم؟ ومن ناحية أخرى، يظهر النجم الطفل السابق كيرك كاميرون على شاشة التلفزيون ليقول إننا لا ينبغي لنا أن نؤمن بنظرية التطور ما لم يتمكن علماء الأحياء من تقديم "التمساح-البطة" كدليل. لا عجب أننا نشهد ما وصفه ماركوز بأنه "التجهيل المنهجي للأطفال والكبار على حد سواء من خلال الإعلانات والدعاية الموجهة".

كان ماركوز ذا نظرة ثاقبة في تشخيص المشكلات، لكن جزءاً من الحل الذي دافع عنه كان قمع وجهات النظر اليمينية. وأعتقد أن هذا أمر غير أخلاقي (جزئياً لأنه سيكون من المستحيل فعل ذلك دون ممارسة الإرهاب) وغير عملي (نظراُ لأن الإنترنت اخترعت في الواقع لتوفير شبكة معلومات عير قابلة للحجب). وبدلاً من ذلك، أقترح أننا نستطيع أن نتقدم خطوة كبيرة إلى الأمام من خلال التمييز بين حرية التعبير والوصول العادل. الوصول إلى عامة الناس، الذي توفره مؤسسات مثل شبكات التلفزيون والصحف والمجلات والمحاضرات الجامعية، يعتبر مورداً محدوداً. ومثل أي فضيلة محدودة، تتطلب العدالة أن يتم تقنين الوصول المؤسسي على أساس الجدارة وعلى ما يفيد المجتمع ككل.

هناك خط واضح بين فرض الرقابة على شخص ما ورفض تزويده بالموارد المؤسسية اللازمة لنشر أفكاره. عندما طُرد ناثانيال أبراهام في عام 2004 من منصبه في معهد وودز هول لعلوم المحيطات لأنه اعترف لرئيسه في العمل بأنه لا يؤمن بنظرية التطور، لم يكن الأمر نوعاً من فرض الرقابة على رأي لا يحظى بالشعبية. يعتقد أبراهام أنه يعرف أفضل من غيره من العلماء (وأفضل من المسيحيين الآخرين، مثل البابا فرانسيس، الذي ذكّر المؤمنين بأن الله ليس "ساحراً بعصا سحرية"). لدى أبراهام كل الحق في التعبير عن رأيه الجاهل لأي جمهور ساذج بدرجة كافية للاستماع إليه. ومع ذلك، لا يحق لأبراهام الحصول على حصة من رأس المال الفكري الذي يأتي من ارتباطه بمؤسسة علمية مرموقة مثل وودز هول.

وعلى نحو مماثل، فإن الكليات والجامعات الكبرى التي تدعو تشارلز موراي إلى عرض دفاعاته العلمية التافهة عن الاختلافات العرقية الفطرية في الذكاء (بما في ذلك جامعة كولومبيا ونيويورك) لا تروج لخطاب عادل ومتوازن. فمنع هذه المؤسسات المرموقة موراي من الوصول إلى الجمهور يعني أنها تمارس مسؤوليتها كحارس أمين لبوابة الخطاب العقلاني. وقد رأينا بالفعل مثالاً جيداً لما أعنيه بـ "الوصول العادل" في قرار شبكة أي بي سي الشجاع بإلغاء "روزان"، البرنامج الأكثر مشاهدة. إن التمثيل في برنامج تلفزيوني هو امتياز وليس حقاً. لقد قارنت روزان شخصاً أسود بالقرد. والسماح لبرنامج يحمل اسمها بالبقاء على قائمة البرامج المجدولة للعرض لن يكون تصرفاً نزيهاً؛ بل سيكون بمثابة تأييد ضمني للخيال العنصري الذي يعتبر آراءها جزءاً من النقاش السائد المعقول.

يمثل دونالد ترامب، كمرشح في البداية ثم كرئيس الآن، قصة إخبارية مهمة يجب على الصحفيين الجادين الكتابة عنها. لكن هذا لا يعني أنه ينبغي السماح له بتحديد شروط النقاش. تظهر الأبحاث أن تكرار سماع الادعاءات يزيد من احتمالية تصديقها، حتى عندما يكون من الواضح أن هذه الادعاءات باطلة. وبالتالي، عندما يكرر الصحفيون أكاذيب ترامب المتكررة، فإنهم في الواقع يزيدون من احتمالية تصديق الناس لها.

وحتى عندما تتطلب المسؤولية الصحفية نقل آراء ترامب، فإن هذا لا يعني منح جميع المتحدثين باسمه فرصة الوصول إلى الجمهور. شكّل برنامج "صباح الخير يا جو" على قناة أم أس أن بي سي سابقة جيدة لفكرة الوصول العادل من خلال منع كيليان كونواي من الظهور في البرنامج بسبب إطلاقها المرتجل لعبارة "حقائق بديلة"[3].

كذلك اقترح ماركوز، بشكل متشائم، أننا يجب ألا "نستبعد العنف المبرر ضد العنف". مثل معظم الأميركيين، ابتهجت بشكل عفوي عندما رأيت ريتشارد سبنسر، الذي يدعو إلى القومية البيضاء، يتلقى لكمة في وجهه أثناء إحدى المقابلات. ولكن، كما أشرت في موضع آخر، أظهر لنا المهاتما غاندي والقس مارتن لوثر كينغ الابن أن الاحتجاج اللاعنفي ليس مجرد مطلب أخلاقي (على الرغم من أنه كذلك أيضاً)؛ بل هو مكر استراتيجي من الطراز الرفيع. فالعنف يصب في مصلحة خصومنا، الذين يستمتعون بفرصة لعب دور الشهداء. وبالتالي، في حين كان من الخطأ أن تدعو كلية ميدلبري موراي للتحدث، كان من الخطأ الأكبر أن يعتدي الطلاب على موراي والأستاذ الذي رافقه في الحرم الجامعي. ومن المفارقات أن الأستاذ الذي أصيب في هذا الحادث كان ناقداً لموراي وقدم دفاعاً على طريقة ميل للسماح له بالتحدث في الحرم الجامعي.

إن ما يعنيه الوصول العادل فيما يتعلق بالسياسة الإيجابية هو أن المؤسسات التي تعتبر حارسة للشعب تتحمل مسؤولية بالغة الأمانة لمنح حق الوصول على أساس جدارة الأفكار والمفكرين. منح مساحة في قاعة محاضرات في الحرم الجامعي لشخص مثل بيترسون الذي يقول إن الناشطات النسويات "لديهن رغبة غير واعية في السيطرة الذكورية المتوحشة"، أو منح الوقت في برنامج إخباري تلفزيوني لشخص مثل كولتر التي تؤكد أنه في عالم مثالي سيتحول جميع الأميركيين إلى المسيحية، أو إجراء مقابلة مع ممثلة من الدرجة الرابعة مثل جيني مكارثي حول وجهة نظرها بأن العلماء الفعليين مخطئون بشأن فوائد اللقاحات للصحة العامة، ليس الهدف من كل ذلك إظهار انفتاح فكري مثير للإعجاب. بل هو من أجل اتخاذ موقف إيجابي بأن هذه الآراء تقع ضمن نطاق الخطاب العقلاني الذي يمكن الدفاع عنه، وأن هؤلاء الأشخاص يستحقون أن يؤخذوا على محمل الجد كمفكرين.

كلا الأمرين غير صحيح: فهذه الآراء خادعة، وأولئك الذين يتبنونها هم، في أفضل الأحوال، جهلة، وفي أسوأ الأحوال، سفسطائيون. الجهلة الذين وصلوا درجة لا تُقهر من الثقة بالنفس وأشباه المثقفين لهم كل الحق في التعبير عن آرائهم، ولكن حقهم في حرية التعبير ليس هو الحق في الوصول إلى الجمهور.

Likes
14
Views
571
[1] براين فان نوردن أستاذ الفلسفة في جامعة ووهان، وكلية ييل-جامعة سنغافورة الوطنية، وكلية فاسار. أحدث مؤلفاته ”استعادة الفلسفة: بيان متعدد الثقافات“.
[2] تا ناهاسي كوتس كاتب وصحفي أمريكي اشتهر بكتابته عن القضايا العرقية المعاصرة.
[3] عبارة استخدمتها مستشارة الرئيس الأمريكي كيليان كونواي خلال مقابلة في يناير 2017، دافعت فيها عن التصريح الكاذب الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض شون سبايسر حول عدد الأشخاص الذين حضروا حفل تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
Source: The Ignorant Do Not Have a Right to an Audience
By Bryan W. Van Norden