بماذا ندين للموتى؟ - Wonder Essays

يثير الجدل المحتدم حول تغريدات لمراسلة صحيفة واشنطن بوست عن كوبي براينت سؤالاً أخلاقياً ومسألة تعتبر من المُحرَّمات الثقافية.

بماذا ندين للموتى؟
يثير الجدل المحتدم حول تغريدات لمراسلة صحيفة واشنطن بوست عن كوبي براينت سؤالاً أخلاقياً ومسألة تعتبر من المُحرَّمات الثقافية.
Kobe Bryant's Memorial
كتابة: إسكرا فيليفا[1] ترجمة: مشاري المشاري
27 يناير 2020

ليس كل الذين ماتوا كانوا أناساً طيبين. ومع ذلك، هناك ضغوط اجتماعية قوية للتظاهر بأنهم كذلك، على الأقل لفترة من الوقت. كم بالضبط ينبغي أن تكون تلك الفترة من الوقت؟ لم يوضح أحد.

في كل ثقافة تقريباً، يعتبر الثناء على الميت بعد وفاته مباشرة هو القاعدة. باستثناء حالات الشخصيات الشريرة الأكثر وضوحاً، فمن المقبول عموماً أن الساعات والأيام التي تلي الوفاة يجب أن تكون أوقاتاً للذكرى والحزن والثناء.

أعتقد أن هذه هي القاعدة الذي خالفتها مراسلة صحيفة واشنطن بوست، فيليشا سونميز، عندما قامت - بعد وقت قصير من وفاة نجم كرة السلة كوبي براينت - بكتابة تغريدة تضمنت مقالاً[2] نشر عام 2016 حول تهمة الاعتداء الجنسي الموجهة ضد براينت في عام 2003. وحسب التقارير الواردة تلقت سونميز ردود فعل سريعة وعنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي. لو أنها كتبت تغريدتها تلك قبل أسبوع، عندما كان براينت على قيد الحياة وبصحة جيدة، أظن أنها كانت ستواجه ردة فعل أقل عنفاً.

هذه القاعدة متأصلة بقوة لدرجة أن الجميع تقريباً، وليس فقط أولئك الذين يحظون بإعجاب واسع النطاق مثل براينت، يمكنهم الاعتماد على الثناء بعد الوفاة، وهناك حالات خيالية وأخرى حقيقية عن أشخاص زيفوا وفاتهم بشكل جزئي ليستمتعوا بقراءة نعيهم الخاص. على سبيل المثال، في قصة إسحاق أسيموف "النعي"، يقوم عالم فيزياء نظري يُدعى ستيبينز، الذي يشعر بالإحباط بسبب فشله في تحقيق الشهرة، بإعداد خطة متقنة لتزييف وفاته في محاولة للحصول على الدعاية والاستفادة من النعي. وعلى الرغم من أن شخصية ستيبينز ليست ذات قبول مميز، إلا أنه كان على حق في توقع التأبين.

بشكل عام، نتظاهر بأن المتوفين حديثاً كانوا جيدين أو أفضل مما كانوا عليه في الواقع. لماذا؟ ربما لأننا نعتقد أننا مدينون لعائلة الشخص المتوفى بإظهار الاحترام. وهذا أمر منطقي في الحالات التي يكون فيها الشخص المتوفى شخصية عامة، وعلى الرغم من تعرضه للشتائم من قبل شرائح من الشعب، إلا أنه كان محبوباً للغاية من قبل أفراد عائلته المقربين. لكن هذا لا يخبرنا بما يحدث في عدد كبير من الحالات الأخرى. العديد من أولئك الذين ينظر إليهم الغرباء على أنهم شخصيات بغيضة، تعتبرهم عائلاتهم أيضاً معيبين أخلاقياً. أعرف شخصياً حالات لبعض الأبناء البالغين الذين توفي أحد والديهم حديثاً وكان مسيئاً لهم، ولكن تم الضغط عليهم للتظاهر بأنه كان أباً صالحاً أو أماً صالحة. أعرف شخصاً واحداً على الأقل واجه انتقادات شديدة بسبب رفضه الانصياع. هذا يشير إلى أن القاعدة قوية جداً، لدرجة أننا على استعداد لإجبار الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة أثناء طفولتهم على إخفاء آلامهم خلف قناع مقبول اجتماعياً.

قد يفترض المرء أننا معنيون، عن حق، بفكرة أن الشخص المتوفى عاجز حالياً عن الدفاع عن نفسه. يمكن القول إن الأخلاق تتطلب ألا نهاجم خصماً تصادف أن يكون مستلقياً على الأرض دون أي وسيلة دفاع. ويمكن أن نأخذ خطوة أبعد في التفكير باعتبار المتوفى أقل قدرة على المواجهة إلى درجة أن يكون أكثر عجزاً عن الدفاع عن نفسه من أي شخص حي.

أشك في أن يكون هذا هو السبب أيضاً. فعلى سبيل المثال، ليس لدينا معايير موازية ضد النميمة خلف ظهور الآخرين، على الرغم من أن الضرر الذي يمكن أن نلحقه بشخص حي أكبر بكثير من أي ضرر محتمل للميت، باستثناء الضرر المحتمل لسمعته أو تاريخه.

من الممكن أن نعتبر الجنازات ومراسم التأبين شأناً عاماً ونعتقد أنه لا ينبغي لنا أن ننشر الغسيل الوسخ هناك، بل يجب أن نحافظ على المظاهر من أجل سمعة العائلة. لكنني أظن أننا نشعر بالضغط لتبييض سمعة الميت حتى في حالة وجود أفراد العائلة المقربين فقط. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الطريقة التي نتصرف بها في الأمور العائلية التي لا تتعلق بالموت. تلك الأمور المعروفة عموماً بأنها لا تتطلب مستوى عالياً من اللياقة. طبعاً، يعتمد الأمر على العائلة، ولكن من الشائع جداً أن يعبر الناس عن مشاعر مختلطة (أو أسوأ) بشأن العطلات العائلية ومناسبات لمّ الشمل. يبدو أننا غير ملتزمين على الإطلاق بحفظ ماء الوجه في التجمعات العائلية.

أود أن أشير هنا إلى أن هناك شيئاً ما في الموت نفسه يحفزنا على أن نفعل ما نفعله. يبدو أن الموت شيء مهم وربما هو عالم أخروي. فكروا في ميلنا إلى خفض أصواتنا عندما نكون في المقبرة. فنحن نرى هذا الميل لدى الأشخاص المتدينين وغير المتدينين على حد سواء، أي الأشخاص الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون أن الموتى قد يسمعونهم. ما الذي يفسر هذا الميل؟ لست متأكدة، لكن أفضل تخمين لدي هو أن الأمر يتعلق بعالم الموت الأخروي. إذا كان هذا صحيحاً، فربما لا يكون الشخص الذي مات للتو هو الذي نريد أن نظهر الاحترام له - لأن ذلك الشخص ربما كان إنساناً فظيعاً - بل هو الموت ذاته. وكأن الموت قد وضع ختم النبل على جبين من لم يعد قلبه ينبض، وهو ذلك الختم، تلك الهالة التي تدفعنا إلى أن نفعل ما نفعله. المتوفى ينتمي للموت الآن، وليس لنا. وربما نشعر أن الآخرين ليسوا الوحيدين الذين يراقبوننا؛ بل نحن مراقبون من قبل الموت ذاته. لقد جاء الموت لزيارتنا، ونكون كلنا في حضرته عندما نتشارك غرفة مع أحد ضحاياه الجدد.

لدي تعاطف كبير مع هذه الفكرة بشكل عام. فقد اعتقدت في كثير من الأحيان أن هناك شيئاً غير لائق في الاحتفال بوفاة شخص ما، حتى لو كان سفاحاً أو ديكتاتوراً. إن الرقص على قبر شخص آخر - ولو بشكل مجازي - ليس علامة على أنك شخص متحضر جداً. ما يجعل هذا الأمر غير لائق قد لا يكون مرتبطاً بأي صفة من صفات الشخص المتوفى، ذلك لأنه قد لا يملك شيئاً من صفات الصلاح. (قد يكون من المناسب تماماً أن نبتهج بالحكم على ذلك الشخص بالسجن مدى الحياة.) فأحياناً يكون الموت - وليس أي شيء آخر يتعلق بالشخص المتوفى - هو حقاً ما يجعلنا نتوقف قليلاً للتأمل بشكل عادل.

لكن ما أود أن أقترحه هنا هو أن هناك أكثر من بديل لرثاء الأشرار المتوفين ومدحهم بطريقة مخادعة. يمكننا، كما اقترحت سونميز، أن ننخرط، ربما بشكل سريع بعض الشيء، في مراجعة جادة وصادقة لإرث الشخص بأكمله - الجيد، والسيئ، والقبيح.

هناك عدة أسباب لتفضيل الصدق. أحد هذه الأسباب هو أن معايير التظاهر تعمل ضد الأشخاص الذين يستحقون الثناء بجدارة. عندما نسبغ الثناء بعد الوفاة بشكل عشوائي، فإننا نتصرف جميعاً مثل أولئك الأساتذة الذين يمنحون جميع الطلاب درجة "ممتاز". ونتيجة لذلك، يحصل الطلاب المستحِقون على نفس الدرجة التي يحصل عليها الطلاب غير المستحِقين. التقييم بعد الوفاة هو بمثابة درجة لحياة الشخص بأكملها. العلامات العالية يجب أيضاً أن تكون مستحَقة هنا.

بطبيعة الحال، هذا لا يعني أننا ينبغي أن نشجع التصرفات الانتقامية التافهة ضد الموتى وأن نعطي تفويضاً مطلقاً للحاقدين الذين يكون الحقد مرتبطاً بأنفسهم أكثر مما هو مرتبط بالمتوفى. يمكن فقط القول إن هناك فرقاً بين المعايير التي تمنع التصرفات الانتقامية التافهة وتلك التي تتطلب الثناء العشوائي.

بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد سبب يجعل المراجعة الجادة لإرث الشخص المتوفى أمراً مستهجناً. وبينما قد يكون الاحتفال بوفاة شخص ما مؤشراً على قلة الذوق، فإن أي محاولة جادة لتصفية الحساب النهائي ينبغي ألا تكون كذلك. في ما يتعلق بهذه النقطة، أوضح الكاتب الفرنسي فولتير ذات مرة، في رسالة إلى صديق، السبب الذي دفعه لكتابة بعض الكلمات القاسية عن رئيس دير توفي مؤخراً، حيث ظهرت هذه الكلمات في أحد كتب فولتير (حسب ترجمتي): “نحن مدينون بالاحترام للأحياء؛ أما الموتى، فحن مدينون لهم بالحقيقة فقط".

آمل أن يكون هذا الاقتراح مستساغاً حتى بالنسبة لأولئك الذين يهدفون، من خلال اتباعهم للمعايير التقليدية، ربما دون وعي، إلى إظهار موقف مناسب ليس تجاه الموتى بقدر ما يكون تجاه الموت وحتميته. الموت سيحصدنا جميعاً في النهاية، وكل وفاة تحدث بالقرب منا هي بمثابة تذكير. ولكن، لهذا السبب، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الموت باعتباره معادلاً عالمياً يساوي بين الجميع. صحيح أننا جميعاً متساوون من حيث كوننا بشراً فانين، والموتى جميعهم متساوون من حيث كونهم موتى؛ لكن لا الأحياء ولا الموتى متساوون في فضيلة الخير، ولا ينبغي للموت أن يجبرنا على التظاهر بخلاف ذلك.

ختاماً، رغم أن الموت سوف يطالنا جميعاً، ليس من الضروري أن نرضخ له قبل الأوان. الموتى لا يعودون، وبهذا المعنى، هم ينفصلون عنا. ومع ذلك، لقد عاشوا بيننا في وقت ما، وحياتهم - بما فيها من أشياء جيدة وأخرى سيئة ربما فعلوها - متداخلة بشكل وثيق مع قصصنا وهوياتنا. إن حقيقة ما فعلوه أو لم يفعلوه، وكيف تعاملوا معنا أو مع الآخرين، قد تكون، بالمعنى العميق، هي حقيقتنا نحن الأحياء.

Likes
15
Views
599
[1] إسكرا فيليفا أستاذة مساعدة في الفلسفة في جامعة كولورادو في بولدر.
[2] نشر موقع ديلي بيست الإخباري هذا المقال بتاريخ 11 أبريل 2016.
Source: What Do We Owe the Dead?
By Iskra Fileva