الشجاعة لنكون وحدنا - Wonder Essays

في جولاتنا اليومية معاً، بدأنا أنا وابنتي الصغيرة في الإبحار في واقع جديد.

الشجاعة لنكون وحدنا
في جولاتنا اليومية معاً، بدأنا أنا وابنتي الصغيرة في الإبحار في واقع جديد.
forest
كتابة: ميغان كريغ[1] ترجمة: مشاري المشاري
1 مايو 2020

أخبرتني ابنتي الصغرى أن دميتها أنابيل قد تكون مصابة بفيروس كورونا. أخذنا نتحدث عن ذلك ونحن نسير يومياً على الطريق. هي ليست متأكدة بعد ما إذا كانت مريضة بالسكري أو بالفيروس. تتغير أعراض أنابيل، لكنها لم تغادر المهد الصغير بجانب سرير ابنتي منذ أيام. قالت لي إني أستطيع أن أجالس أنابيل، ولكن فقط إذا وعدتها بأن أمسكها بلطف وألا أعطيها الحلوى. ابنتي تمسك بيدي ونحن نسير. فهي تريد أن تتحدث عن مرض دميتها كل يوم. لا أستغرب أنها ليست متأكدة إذا كانت أنابيل ستخضع للفحص أو متى سيتم ذلك.

سألتها عما إذا كانت قلقة بشأن أنابيل. فقالت ليس كثيراً. فهي تعتقد أنها ستشفى وربما تحتاج فقط إلى حقنة. نسير في الدروب المبللة بثلج الربيع. أصبحت الأيام أطول وأصبح المشي أطول، وصارت محادثتنا تدور في حلقات مثل خراطيم المياه القديمة المتراكمة في حديقة.

بالإضافة إلى أنابيل، تحدثنا عن الأحجار والبلورات ومجموعة متخيلة من الأخوات (هي الكبرى بينهن رغم أنها ابنتي الصغرى). إحدى الأخوات حامل والأخرى مسافرة إلى أوروبا. أخبرتني ابنتي أنها متزوجة وأن زوجها "رجل طيب" ولكنه غادر ذلك الصباح بالطائرة إلى فلوريدا. يبدو أنه مراسل في جزيرة سانيبل. نلتقط بعض الأحجار ونضعها في جيوبنا. لاحقاً، سأضطر إلى أن أعطيها قبعتي لتحمل فيها كل كنوزها، ولاحقاً سأضع يدي الباردة في جيبي فأجد التراب.

أخبرتها أن جدها مصاب بالسرطان، وكانت هذه مفاجأة لها. قلت لها إن الأمر ليس خطيراً، رغم أن هذا الكلام يبدو جنوناً. أوضحت لها أنه أفضل شكل من أشكال السرطان التي يمكن للمرء أن يأمل فيه - وهو شكل غير نشط للغاية من سرطان الدم. فأخذت تومئ لي برأسها كما كنت أومئ لها من قبل.

نسير في طريق مفروش برقائق الخشب. إنه يخترق الغابة على طول الخطوط التي شكلتها أشجار البلوط المتساقطة بسبب الإعصار الذي ضرب ولاية كونيتيكت في مايو 2018. في ذلك الربيع جئت إلى نفس المكان وجلست بين الأشجار المحطمة. انفجرت العديد من الجذوع على ارتفاع ثمانية أو عشرة أقدام من الأرض وشكلت ما يشبه أشجار النخيل المتناثرة. ورقدت جذوع أخرى في أكوام. انقسم العديد منها في المنتصف، تاركة فجوات واسعة رسمت شكل الكارثة مثل ثقوب المفاتيح في عالم محطم. الآن أصبحت المنطقة صافية ومفتوحة وتغمرها الشمس.

بينما نسير، كان عليّ أن أذكّر ابنتي بمواصلة الحركة. فكلما تحدثت أسرع، صار سيرها أبطأ. أحاول الاستماع إليها، ولكن نصف عقلي يفكر في أشياء أخرى. إذا صمتُّ لفترة طويلة جداً، تشدني من يدي، وتعيدني مرة أخرى إلى المحادثة. من الصعب أن أبقي تركيزي على واقعين في الوقت نفسه: واقع أصابعها الملفوفة بالقفازات وواقع العالم، فكلاهما يتنافسان على جذب انتباهي.

فجأة تذكرت مقالة ويليام جيمس "حول عمى معين في البشر"، والتي كتب فيها عن صعوبة أن تكون حاضراً في حياة شخص آخر. يستخدم جيمس قصة روبرت لويس ستيفنسون[2] عن الأولاد الصغار الذين يشكلون نادياً سرياً من "حاملي الفوانيس"، حيث يخفون فوانيس صغيرة من الصفيح تحت معاطفهم الثقيلة كرمز سري للمشاركة. من الخارج يبدون مثل أي شخص آخر يسير مسرعاً في الليل البارد. لكن عندما يلتقون ببعضهم البعض، يرفعون حافة معاطفهم ليكشفوا عن ضوء مشتعل ساخن يتدلى من حلقة الحزام. لطالما أحببت صورة هؤلاء الفتية وهم يخفون النار، ووجوههم مُنارة لبعضهم البعض للحظات في ضوء المصابيح، مبتهجين بالانتصار في ولائهم للعبة.

كان جيمس يكتب عن مدى صعوبة رؤية الضوء الداخلي لشخص آخر - الشيء الذي يبقيه مُناراً في الأوقات المظلمة - خاصة عندما نركز اهتمامنا على حياتنا الخاصة. يمرّ أحدنا بالآخر، منكفئين على أنفسنا ومشاكلنا الخاصة، ولا نتخيل أبداً النار المشتعلة تحت المعطف الداكن.

أفكر في جيمس وأتذكر أنني كنت في إيطاليا الصيف الماضي، أشاهد الأضواء عبر الوادي في أسيزي وهي تتراقص مع غروب الشمس، كأنها نجوم أرضية. ثم أحاول أن أتذكر شيئاً كتبه الفيلسوف إيمانويل ليفيناس في مقال بعد المحرقة، شيئاً عن مدى صعوبة تعليم الأطفال الذين ولدوا بعد الحرب الدروس التي سيحتاجون إليها، وخاصة القوة المطلوبة للبقاء أثناء العزلة. أود أن أمسك بذلك النص وأقرأه مرة أخرى. لقد كان مكتوباً باللغة الفرنسية ولكنه مترجم إلى الإنجليزية بعنوان "دون اسم".

نتسلق تلاً صغيراً وفجأة تجلس ابنتي. إنها جائعة ومتعبة ولا تريد المشي أكثر من ذلك. أجلس بجانبها، وما زلت أتساءل عما قاله ليفيناس. كان شيئاً عن الشجاعة المطلوبة للبقاء وحيداً، وعن الوعي الهش، وأهمية الحياة الداخلية. نعم، هو ذلك الشيء. الفوانيس التي تشع نوراً تحت معاطف أولئك الصبية الصغار، الأحجار الموجودة في جيوبنا، الحياة الداخلية التي لا يمكن رؤيتها أو تخمينها أو معرفتها من الخارج، وبالتالي لا يمكن إطفاؤها أو انتزاعها بسهولة. الحياة الداخلية التي أبقت ليفيناس على قيد الحياة بعد أن قبض عليه النازيون وأرسلوه إلى أحد معسكرات الاعتقال في فرنسا عام 1940، منفصلاً عن زوجته وابنته، بعيداً عن العالم. إنه شيء سري يجب التمسك به ولا يمكن أن يفنى أو يتصدع أو يسقط، شيء خاص يبقى في صميم الحياة.

وبينما كنا نجلس على حافة الطريق، يلمع الثلج المتساقط وأفكر في أولئك الذين يموتون بمفردهم في جميع أنحاء العالم في غرف مغلقة من الخارج، ويُتركون مع حياتهم الداخلية، مشغولين بنيرانهم الخاصة. الثلج يتساقط ببطء في شكل ندائف سميكة. الأرض باردة، حتى مع نمو أزهار النرجس البري في وقت مبكر من هذا العام. قد نبحث عن أزهار اللوف في وقت لاحق اليوم، على أمل العثور على تلك الأوراق الأرجوانية والخضراء الملتفة حول الطلع الأبيض الصغير، معششة هناك كأنها تصلي.

كل شيء هادئ في الغابة باستثناء صوت نقار الخشب في مكان قريب. وكأني أستجيب للإيقاع، تبدأ أجزاء من الأغاني تتكرر في رأسي، وتربط بين الحياة الداخلية والأضواء الضعيفة – فرقة سبتمبر 67: "لقد ناديتني ذات مرة بالفانوس..."؛ نيك دريك: "غربت الشمس وعاد الناس إلى منازلهم، لقد تُركتُ وحدي على جانب الطريق، حاولت التحدث معهم أثناء مرورهم، لكن هذا كان وقت عدم الرد"؛ ليونارد كوهين: “تمسك، تمسك يا أخي، تمسكي يا أختي بقوة. لقد تلقيت أوامري أخيراً، وسوف أسير خلال الصباح، وأسير خلال الليل، وأتحرك عبر حدود حياتي السرية."[3] كنت أدندن اللحن دون انتباه عندما سمتعها تقول: "أمي، توقفي عن هذا".

نسير مرة أخرى، مع بعض التيبس والتجهم، مستعدتين للعودة إلى المنزل. أستمع إلى شيء عن دمية أخرى اسمها زوي. ستقيم حفلة عيد ميلاد لاحقاً وأنا مدعوة. أنابيل مريضة جداً ولا تستطيع الحضور. نتحدث عن تجهيز الديكور والكعكة. نزيد سرعتنا، ونناقش قائمة الضيوف والألعاب، وننزل من التل وسط الرياح العاتية. أفضل ما يمكنني فعله هو أن أردّ ببساطة كما لو كان هذا أكثر الأمور أهمية. إنه عالمها وهذه هي أنوارها الصغيرة، أطفالها الموضوعون في أسرّتهم، الأحجار والبلورات في قبضتيها، كل ذلك حقيقي ومهم للغاية بينما يبدو أن العالم ينهار من حولنا.

يوماً ما، إذا وجدت نفسها في عزلة ولم أكن معها، ستكون لديها أغانيها الخاصة وبعض الشجاعة المستمدة من هذه الجولات وهذا التخيل الموارب (كأفضل ما تكون أي فلسفة)، تناغم بين الكلام والمشي محفور في ذاكرتها لتكرره بنفسها، حياة داخلية غنية بالأصوات والمخلوقات وذلك الإحساس بضغط يدينا الذي ستتذكره. أتمنى ذلك. فجأة، تفلت يدي من قبضتها حين تبدأ بالركض نحو المنزل. نحن نتعلم معاً كيف نكون وحدنا.

Likes
16
Views
712
[1] ميغان كريغ أستاذة مشاركة في الفلسفة والفنون في جامعة ولاية نيويورك، ستوني بروك، ومؤلفة كتاب ”ليفيناس وجيمس: نحو ظاهراتية براغماتية“.
[2] روبرت لويس ستيفنسون (1850-1894) روائي وشاعر وكاتب مقالات اسكتلندي تخصص في أدب الرحلات. اشتهر بأعمال مثل ”جزيرة الكنز“ و”دكتور جيكل وسيد هايد“ و”المخطوف“ و”حديقة أشعار الطفل“.
[3] ”في حياتي السرية“ أغنية للفنان والشاعر والروائي الكندي ليونارد كوهين (1934-2016) صدرت عام 2001.
Source: The Courage to Be Alone
By Megan Craig