كل واشرب وامرح! نصيحة جادة - Wonder Essays

لا ينبغي للملذات التي ننغمس فيها خلال عيد الميلاد أن تكون مجرد ملذات مقترنة بالشعور بالذنب.

كل واشرب وامرح! نصيحة جادة.
لا ينبغي للملذات التي ننغمس فيها خلال عيد الميلاد أن تكون مجرد ملذات مقترنة بالشعور بالذنب.
Santa
كتابة: ماكس خان هيوارد[1] ترجمة: مشاري المشاري
25 ديسمبر 2021

يقولون إن عيد الميلاد هو أروع وقت في السنة. نأخذ إجازة من العمل، ونجتمع مع الأصدقاء، وننغمس في الأكل والشرب والموسيقى والمرح. لفترة وجيزة، تأخذ الملذات التي نقوم بتقنينها خلال بقية العام مركز الصدارة.

ثم، في شهر يناير من كل عام، تمتلئ الصحف بالنصائح حول النظام الغذائي، والامتناع عن شرب المسكرات، والعودة إلى العمل. عندما يرحل الضيوف، وتنتهي الحفلة، وتختفي القرارات التي ستنتهي صلاحيتها قريباً، يمكن أن يلقي هذا الشهر البارد بظلاله على الأعياد، حيث أن شعورنا بالذنب الاستباقي يأكل استمتاعنا، فنقول لأنفسنا: "سوف نندم على هذه القطعة الإضافية من الفطيرة في العام الجديد". يبدو الأمر كما لو أن الملذات التي ننغمس فيها خلال عيد الميلاد لا يمكن أن تكون إلا ملذات مقترنة بالشعور بالذنب.

لطالما كانت احتفالات عيد الميلاد الصاخبة مثيرة للجدل. يأمر الكتاب المقدس المؤمنين مراراً وتكراراً برفض ملذات الجسد. اعتبر البيوريتانيون[2] عيد الميلاد مهرجاناً وثنياً آثماً، وحرصوا على العمل في يوم عيد الميلاد لإظهار تمسكهم بالفضيلة. في منطقة نيو إنجلاند خلال الفترة الاستعمارية، كانت احتفالات عيد الميلاد موضع استياء، وفي بعض الأحيان كان يتم حظرها، ولم يعتمد هذا اليوم عطلة فيدرالية إلا في عام 1870.

إتفق العديد من الفلاسفة مع الأخلاقيين الدينيين على عدم قيمة الملذات الجسدية: الأكل والشرب والمرح. إعتقد أفلاطون أن الروح "نجسة وغير نقية" إذا أحبت الملذات الجسدية والأشياء "التي يمكن للمرء أن يلمسها ويراها ويشربها ويأكلها ويستخدمها في ملذات الحب". كان يعتقد أن أولئك الذين ينغمسون في "الشراهة" و"السكْر" سوف يتجسدون من جديد في صورة حمير. نصح الرواقيون أتباعهم بقمع عواطفهم والتعامل مع المتع الحسية بلا مبالاة. رأى إيمانويل كانط أن إقامة الولائم والسكْر أمران غير أخلاقيين، ويحطان من قدر الإنسان إلى مستوى الحيوان، وحذر من قبول الدعوات إلى الولائم.

لكن لم يكن جميع الفلاسفة بهذا القدر من البؤس. ربما كان الفيلسوف الذي جسد روح عيد الميلاد على أفضل وجه هو الملحد ديفيد هيوم، الرجل الذي تمتع بمزاج مرح (ناهيك عن بدنه الممتلئ وولعه بالمعاطف الحمراء) مما يؤهله للقب بابا نويل الفلسفي. فمن وجهة نظره، أن تكون شخصاً جيداً يعني أن تمتلك صفات "مفيدة أو مقبولة" لنفسك وللآخرين. وعلى النقيض من أخلاقيات كانط الصارمة وعالم أفلاطون الأخروي، إعتقد هيوم أن أفضل نوع من الأشخاص هو أي شخص بشوش، ذكي، وممتع لمن حوله.

كان لدى هيوم كلمات حادة لمفسدي البهجة، حيث انتقد "الفضائل الرهبانية" المتمثلة في "التبتل، والصوم، والتكفير عن الذنب، وكبح الشهوات، وإنكار الذات، والتواضع، والصمت، والعزلة". من وجهة نظر هيوم، ينبغي اعتبار هذه الممارسات رذائل، لأنها لا تؤدي إلا إلى جعلنا والناس من حولنا بائسين. ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن هيوم كان يستمتع بالطعام والشراب. كان يفتخر بطبخه وكان لديه قبو كبير للنبيذ. وكانت حفلات العشاء الخاصة به مشهورة. بالنسبة لهيوم، إن قضاء وقت ممتع هو عكس الخطيئة؛ إنه جوهر الحياة البشرية. أظن أن هيوم كان سيرى "الفضائل الرهبانية" البغيضة مطبقة بشكل عملي في كرنفال يناير حيث العقاب الذاتي المقترن بالشعور بالذنب.

هذا لا يعني أن الفيلسوف المفعم بالحيوية لا يجد أي فائدة في الصوم. فمثلاً رسالة إيميلي دو شاتليه[3] في السعادة ليست مجرد توبيخ للأخلاقيين الذين يطلبون منا قمع عواطفنا ورغباتنا (هؤلاء المفكرون "لا يعرفون الطريق إلى السعادة")، ولكنها دليل حكيم وعملي لعيش حياة مليئة "بالأحاسيس والمشاعر المقبولة". تعترف دو شاتليه بأن «الاستمتاع بالطعام الجيد، المذاق الذي أنعم الله به علينا» يمكن أن يؤدي إلى الاضطراب والمرض. لكن الحل ليس في التوبة عن الذنب، التي تؤدي حتماً إلى زيادة بؤسنا. وإنما، عندما تشعر بالتخمة، يجب عليك التراجع، ليس من أجل "وضع حد لرغبتك في تناول الطعام الجيد" - ففي نهاية المطاف، "هذا الشغف هو مصدر للمتعة المستمرة" - ولكن "لتهيئتك لمتعة ألذ" لاحقاً. تدعو دو شاتليه إلى اتباع نهج مدروس وعقلاني في البحث عن المتعة: "دعونا نختر لأنفسنا طريقنا في الحياة، ودعونا نحاول أن نزين هذا الطريق بالزهور".

لعل هيوم ودو شاتليه يجدان رفيقاً جيداً للعشاء في جيريمي بنثام، المؤيد الكبير للنفعية والمدافع القوي عن مذهب المتعة، الذي كان يرى أن المتعة هي جوهر الحياة الطيبة. على عكس تلميذه جون ستيوارت ميل، الذي أصر على أن "المتع العليا" الفكرية أعلى بكثير من "المتع الدنيا" الجسدية، تبنى بنثام مذهب المتعة القائمة على تكافؤ الفرص: إذا كان كلاهما ممتعاً بالقدر ذاته، فإن لعبة الدبوس[4] ستكون جيدة تماماً مثل قراءة الشعر. لقد وقف معظم الفلاسفة إلى جانب ميل في هذه الجبهة، ولكن يمكننا أن نرى أن تأكيد بنثام على الملذات البسيطة موقف لانخبوي بشكل مثير للانتعاش.

أظهر بنثام، في دفاتر ملاحظاته الخاصة، أن مذهب المتعة يمكن أن يكون أكثر تطرفاً. من الصخب الفاحش في العصور الوسطى إلى علاقات حفلات المكاتب في عصرنا الحالي، كان للجنس مكان لفترة طويلة وسط الانغماس في مواسم الاحتفالات. لقد اتخذ معظم علماء الأخلاق نظرة قاتمة للجنس العرضي، بحجة أن الجنس يجب أن يكون من أجل الإنجاب، أو على الأقل يتم تعويضه بالحب الروحي. كانت وجهة نظر بنثام أبسط: الجنس ممتع، وبالتالي فهو جيد. ولم ير، قبل عدة أجيال من أقرانه، أي سبب للاعتراض على الجنس المثلي. في الواقع، لأنه لا يمكن أن يؤدي إلى أطفال غير مرغوب فيهم، فقد اعتقد بنثام أنه قد يكون أفضل أنواع الجنس. كان بنثام سيطلب منا أن نستمتع بهذه العلاقة الاحتفالية الطائشة.

يمكن لفريدريك نيتشه، المتغطرس والنخبوي، أن يكون ضيفاً ثقيلاً على عشاء عيد الميلاد. لكنه ربما يكون لديه الوقت لليلة رأس السنة الجديدة. وعلى الرغم من أنه كان ينظر بازدراء إلى مجرد البحث عن المتعة، إلا أنه رفض "إنكار الحياة" الذي رآه في أفلاطون كما رفض الزهد الديني، واحتفل بالجانب المتمرد للطبيعة البشرية. وباستدعاء الرقصات الجامحة والثملة لأتباع ديونيسوس، إله النبيذ اليوناني، عرّف الروح "الديونيسية" للتخلي الخارج عن القوانين بأنها مصدر للحياة والإبداع، وباعتبارها حيوية لخلق الفن. الثقافة التي تسمح لقوى العقل والنظام "الأبولونية" بالهيمنة ستصبح جافة وغير صحية.

ومع ذلك، فإن التخلي ليس بالأمر السهل دائماً. يمكن لثقافة إدمان العمل لدينا أن تجعل من الصعب الاستمتاع بفترات طويلة من الترفيه دون الشعور بالذنب. في مقالته الكلاسيكية "في مديح الكسل"، زعم برتراند راسل أن الرأسماليين لقنوا المجتمع "عبادة الكفاءة" التي تمنح الأولوية "للفضيلة الأسمى للعمل الجاد". لكنه قال إن وقت الفراغ، وليس العمل، هو أعظم مصدر لمعنى الحياة. إنها عبادة العمل التي تجعلك تتحقق من هاتفك بحثاً عن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل خلال العطلات؛ وحسب راسل، هذا شيء نحتاج إلى التخلص منه لإنشاء مجتمع سعيد.

تحذير آخر من رذائل الرأسمالية يمكن إرجاعه إلى المُنَظّر الأصلي لمذهب المتعة، الفيلسوف اليوناني أبيقور. رأى أبيقور أن المتعة هي الخير الأسمى، ولكن على الرغم من أن مصطلح "أبيقوري" أصبح يشير ضمناً إلى الانغماس المفرط في الملذات، إلا أن أبيقور في الواقع نصح بحياة معتدلة. كان يعتقد أن الطعام الرخيص والبسيط ممتع تماماً مثل الأطعمة الغالية. وعلى الرغم من أن النظام الغذائي الذي اختاره أبيقور المكون من الفاصوليا لا يبدو احتفالياً، إلا أنه كان لديه رسالة مفيدة لموسم العيد. كان يعتقد أن الرغبة في الطعام والصداقة أمر جيد وطبيعي. لكن الرغبة في السلع رفيعة المستوى والكماليات الفاخرة تقودنا إلى البؤس. وفي خضم وابل الإعلانات الموسمية، يجدر بنا أن نتذكر ذلك.

لذا، بينما نتطلع إلى موسم الاحتفال، دعونا نصغِ جيداً إلى هذه الأشباح الفلسفية المبهجة التي سكنت أعياد الميلاد الماضية. فلنأخذ رخصة للاستمتاع بالطعام والشراب والجنس والرقص والكسل، دون شعور بالذنب. وبدلاً من التذمر من أزمة سلاسل التوريد، ربما يمكننا، بإلهام من أبيقور، أن نغتنم هذه الفرصة لمنح محافظنا عطلة احتفالية صغيرة أيضاً.

Likes
19
Views
513
[1] ماكس خان هيوارد أستاذ مساعد في الفلسفة في جامعة شيفيلد. وهو حالياً زميل مقيم في مركز إي جي سافرا للأخلاقيات في جامعة هارفارد. وهو محرر مجلة ”Analysis Reviews“ ومحرر مشارك في مجلة ”The Journal of Moral Philosophy“.
[2] البيوريتانية (التطهيرية) مذهب مسيحي بروتستانتي متشدد ظهر في إنجلترا وانتشر في القرنين 16 و 17.
[3] إيميلي دو شاتليه (1706-1749) فيلسوفة طبيعية ورياضية فرنسية اشتهرت بترجمتها لكتاب إسحاق نيوتن ”مبادئ الرياضيات“ والتعليق عليه.
[4] الدبوس لعبة أطفال إنجليزية كانت تلعب خلال الفترة ما بين القرنين 16 و 19. استخدمت في الفلسفة كمثال لشكل من أشكال التسلية التي لا قيمة لها نسبياً.
Source: Eat, Drink, and Be Merry! No, Really.
By Max Khan Hayward