ثقافة الحمية الغذائية غير صحية. وهي أيضاً غير أخلاقية - Wonder Essays

في الخريف الماضي، أصبحت ابنتي، ذات الـعشرين شهراً، مفتونة بسرة بطنها. في كل فرصة سنحت لها، كانت ترفع قميصها لتشير إليها بسعادة.

ثقافة الحمية الغذائية غير صحية. وهي أيضاً غير أخلاقية.
Diet Culture
كتابة: كيت مان[1] ترجمة: مشاري المشاري
3 يناير 2022

في الخريف الماضي، أصبحت ابنتي، ذات الـعشرين شهراً، مفتونة بسرة بطنها. في كل فرصة سنحت لها، كانت ترفع قميصها لتشير إليها بسعادة. الاستنتاج بأن أمها وأباها لديهما سرتان أيضاً لم يتأخر كثيراً، ولم تكن هناك أي جهود أخرى للاستكشاف. ولكن عندما رفعت قميصي، شعرت بنفسي أشد عضلات بطني. شعرت بالخجل - وخجلت من خجلي. في تلك اللحظة فقط أدركت أني لا بد لي من ترتيب أفكاري، فيما يتعلق بجسدي، من أجل ابنتي.

يمكنني وصف علاقتي بجسدي، بعبارة ملطفة، بأنها مرتبكة. لم أكن دائماً بدينة، ولكني كنت كذلك في أغلب الأحيان. لطالما كرهت هذه الحقيقة، على الرغم من أنني حاولت ألا أفعل ذلك. كنت أصنَّف ضمن فئة الوزن الطبيعي، حسب معايير الدليل الصارم لمؤشر كتلة الجسم، فقط عندما أتضور جوعاً أو أتبع حمية قاسية للغاية وغالباً ما تكون غريبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. على مدار العام الماضي، فقدت ما يقرب من 50 رطلاً من وزني، مدفوعة بإحساس غامض بالالتزام بتقليص حجمي إلى ما كان عليه. وكالعادة، لم ينزل الوزن إلا بجهود قصوى لدرجة أنني أتردد في الاعتراف بها: على مدار شهر في الشتاء الماضي، لم أتناول الطعام لمدة 17 يوماً من أصل 30.

وأنا على دراية بالأمر. أدرك كل الأسباب التي تجعلني لا أفعل هذا. أدرك أن العلاقة بين السمنة والصحة ليست بسيطة ومباشرة على الإطلاق - أن العديد من الأشخاص البدناء يتمتعون بصحة جيدة والعديد من الأشخاص النحيفين ليسوا كذلك، وأن العلاقة بين السمنة والإصابة بأمراض معينة هي علاقة معقدة وتتداخل فيها عموماً عوامل أخرى، بما في ذلك الفقر والوصمة الاجتماعية التي تمنع الأشخاص البدناء من الحصول على الرعاية الصحية التي يستحقونها.

لطالما أعجبت بأعمال الناشطات البدينات - من بينهن مارلين وان، وسونيا رينيه تايلور، وأوبري جوردون - وأدرك أن الأجسام البدينة لا يمكن أن تكون صحية فحسب، بل ورياضية أيضاً، وجميلة، ومثيرة. أؤمن بمفاهيم الأكل الفطري والصحة في كل حجم، على الأقل بالنسبة للآخرين. أدرك أن الغالبية العظمى من الحميات تفشل في جعل الناس أكثر نحافة أو أكثر صحة على المدى الطويل. أدرك أنه حتى لو كنتَ شخصاً بديناً وأنك ستكون بصحة أفضل إذا أنقصتَ وزنك، فأنت لستَ مديناً لأحد بالقيام بذلك؛ بل لستَ مديناً لأحد بأن تتمتع بصحة جيدة بشكل عام. وأعلم بمدى تأثير القوى الأبوية القمعية على رهاب السمنة الداخلي لدي - تلك القوى التي تطلب من الفتيات والنساء على وجه الخصوص أن يكنّ صغيرات، وديعات، ضعيفات، نحيفات، وهادئات.

أدرك كل هذا من الناحية النظرية المجردة. ولكن من ناحية الممارسة العملية، أنا أعاني.

مؤخراً، أخذت بالتساؤل حول مدى تأثير مسيرتي المهنية كفيلسوفة أكاديمية على ما لدي من رهاب سمنة موجه نحو الذات. لاحظ عدد من المؤلفين أن هناك ندرة في أجساد النساء البدينات في الأوساط الأكاديمية بشكل عام وفي الفلسفة بشكل خاص. فالفلسفة، بما أنها تتميز بتركيزها على العقل، غالباً ما ترى ضمنياً العقلانية باعتبارها التخصص الحصري للرجال النحيفين الأغنياء البيض الذين يهيمنون على تخصصي.

عندما نشيد بأحد النصوص نقول إن حججه قوية ومتماسكة كالعضلات، وعندما ننتقد نصأ نثرياً آخر نقول إنه مترهل ومنمق وأنثوي ضمنياً. وعندما يتعلق الأمر بالميتافيزيقا الخاصة بنا - تصورنا للعالم - فإننا نفخر بذوقنا في التقشف، أو كما قال ويلارد فان أورمان كواين[2] بأنها "المناظر الطبيعية الصحراوية". وما هو الجسم البدين في الخيال الشعبي سوى الإسراف والبذخ والحشو؟

كفيلسوفة، أكافح من أجل التوفيق بين صورتي لجسدي ومهمته في العالم باعتباره رسولاً لعقلي. أفكر في الأمر، بشكل هزلي، على أنه مشكلتي مع ثنائية الجسد والعقل. في الغالب، لا أستطيع تحمل فكرة إرسال جسدي أو "حيواني الناعم"، على حد تعبير الشاعرة ماري أوليفر[3]، للنضال من أجل وجهات نظر نسوية قاطعة ومثيرة للجدل ولتمثيل نظام يفتخر بالحدة والوضوح والدقة. أشعر أن حدودي الناعمة تخونني.

هذه الثنائية الزائفة موجودة جزئياً في رأسي، نعم، ولكنها موجودة أيضاً بشكل كبير في رؤوس الآخرين. أخبرني أحدهم مؤخراً عن تعليق على صورة لديفيد هيوم، فيلسوف القرن الثامن عشر، في كتاب تمهيدي للفلسفة: "الخفة والسرعة في عقله مختفية تماماً خلف مظهره الغليظ." وهكذا تم تحذير الفلاسفة البدناء الآخرين من أن أجسادنا قد تحجب عقولنا بشكل مماثل.

عالم النفس المعرفي ستيفن بينكر ليس فيلسوفاً، لكن كتابه الأخير "العقلانية" يوضح بسهولة النظرة العالمية التي تساوي بين النحافة والعقل. بعد التحسر على حقيقة أن العقلانية لم تعد تعتبر "رائعة"، فإنه يوبخ الأحمق غير العقلاني الذي يفضل "المتعة الصغيرة" المتمثلة في تناول اللازانيا الآن على "المتعة الكبيرة المفترضة للجسم النحيف" في الأبدية. إنهم "يستسلمون" إلى "الاستخفاف قصير النظر" بالمكافآت المستقبلية - وهو مصطلح (تمييزي ضد المعاقين) يشير إلى التفكير قصير المدى، كما تم تصويره في مثال على رهاب السمنة.

يوجد الكثير من هذه الأمثلة في الفلسفة أيضاً: المثال القياسي لظاهرة أكراسيا، ضعف الإرادة، التي دُرست كثيراً، هو الاستسلام لقطعة بسكويت. حيث أن شهية الإنسان الطبيعية للأطعمة الدسمة والغنية بالسكريات يتم الاستهزاء بها ليس باعتبارها تتعارض مع العقل فحسب، بل أيضاً باعتبارها شيئاً يجب ترويضه ونبذه وحتى الخجل منه. الحرمان المستمر، وأحياناً الجوع الشديد لدى شخص يلتزم بحمية صارمة، يُنظر إليه على أنه أمر جيد لا لبس فيه، وإنجاز، بل وفضيلة.

ولكن، هل هو كذلك؟ باعتباري شخصاً اتبع حمية مؤخراً وحقق بعض النجاح ("النجاح")، فمن الواضح بالنسبة لي أنني قدمتُ مثالاً سيئاً لابنتي البالغة من العمر عامين الآن - وهو مثال سيصبح أكثر إشكالية بمرور الوقت، حيث تصبح أكثر وأكثر وعياً بما آكله وما لا آكله. لقد ساهمتُ، ولو بشكل بسيط، في مجتمع يشيد بأجسام معينة وينتقص من أخرى لأسباب اعتباطية إلى حد ما، وأسباب تؤدي إلى قدر كبير من القسوة والمعاناة. (الأساس الأكثر شيوعاً للتنمر في مرحلة الطفولة هو وزن الطفل). لقد حرمتُ نفسي من المتعة وتسببتُ لنفسي بالألم المزعج والقلق الموهن المصاحب للجوع.

هذه كلها أشياء نعتقد عادة أنها أمراض أخلاقية واضحة. تقريباً جميع صيغ عائلة النظريات الأخلاقية المعروفة باسم العواقبية ترى أن المتعة جيدة أخلاقياً، بينما الألم والمعاناة سيئان أخلاقياً. وحتى لو لم تكن هذه هي الحقيقة الكاملة للأخلاق، فمن المعقول أن تكون جزءاً من الحقيقة.

ومن الأمور التي تنطوي على دلالة سطحية مثيرة للدهشة أن اتباع الحمية يفرض تكاليف أخلاقية حقيقية، أضراراً أخلاقية حقيقية، وهي تكاليف نفرضها على أنفسنا إلى حد كبير (وإن كان ذلك تحت تأثير قوى اجتماعية قوية). إذا كانت فرص فقدان الوزن على المدى الطويل (والفوائد والملذات المفترضة التي تحملها) ضئيلة للغاية، فلماذا نستمر في القيام بذلك؟ أظن أن الإجابة ليست فقط في العادة والشعور الزائف بالالتزام، بل أيضاً في إغراء الطموح: إحساس متبع الحمية الدائم بالوصول إلى مكان ما، أن يصبح أصغر حجماً، وبالتالي يصبح أكثر قبولاً، وأكثر عقلانية، كجسد.

ولكن في حين أن الفلسفة في شكلها الحالي قد تقدس النحافة، إلا أنها أيضاً تمتلك في داخلها القدرة على تحدي هذه الأفكار وحتى إعادة تشكيل علاقتنا الأخلاقية بها بالكامل.

نحن في وقت من السنة حيث يحاول الكثير من الناس، بل ويعتبرون أنفسهم ملزمين، باتباع حمية غذائية. ولكن إذا كانت الحمية ممارسة تسبب قدراً كبيراً من الضرر - في شكل ألم ومعاناة وقلق وجوع شديد - ونادراً ما تنجح في توفير الصحة أو السعادة اللتين طالما روجت لهما الإعلانات، فهي إذن ممارسة سيئة من الناحية الأخلاقية. ومن المعقول أن يسمح للأفراد، بل يتوجب عليهم، التخلص منها وإدانتها وعدم تعليمها لأطفالنا، سواء صراحة أو من خلال القدوة.

بدلاً من ذلك، قد نسعى جاهدين داخل أنفسنا لتلبية مجموعة جديدة ومحسنة من "الواجبات المحررة"، إذا جاز لنا استعارة الفكرة من جوزيف راز[4]. في هذه الحالة، فإن الواجب - بالنسبة لأولئك المحظوظين منا بما يكفي للحصول على الموارد - هو ببساطة، أو ليس بهذه البساطة، أن نأكل عندما نشعر بالجوع.

Likes
16
Views
446
[1] كيت مان أستاذة مشاركة في الفلسفة في جامعة كورنيل. ألفت كتابين، آخرهما: ”مستحق: كيف يؤذي امتياز الذكر النساء“.
[2] ويلارد فان أورمان كواين (1908-2000) فيلسوف أمريكي وعالم منطق في الفلسفة التحليلية.
[3] ماري أوليفر (1935-2019) شاعرة وكاتِبة وروائية أمريكية حاصلة على جائزتي الكتاب الوطني وبوليتزر.
[4] جوزيف راز (1939-2022) فيلسوف بريطاني-إسرائيلي وعالم في فلسفة القانون والأخلاق والسياسة.
Source: Diet Culture Is Unhealthy. It’s Also Immoral.
By Kate Manne